الفهم السلبي للدِّين

الفهم السلبي للدين هو أخذ نصوص من الدين تسرد حقائق أو قواعد معينة، نأخذها كذرائع للجمود والتوقف، وما كانت أرسلت لذلك بأي شكل من الأشكال.

رزقي مقسوم قبل خلقي، وهذا الذي قسم الله لي. الكثير منا يكتفي بالعمل البسيط والمنزل المتوسط والملبس والمركب المتواضع، فلا يسعى في توفير درجة أفضل من ذلك، سواء لنفسه إن كان فردا أو لأهله إن كان له أهل. توفير درجة أحسن ليس جشعا، بل السعي حتى في تحصيل الثراء ليس عيبا، الأثرياء إن أحسنوا وأنفقوا كان طريقهم إلى الجنة أسرع بإذن الله، والإسلام نُصِر نصرا جللا بفضل أصحاب الأموال الذين جهزوا الجيوش. الله في القرآن قدّم الجهاد بالمال عنه بالنفس، لأن من يجاهد بنفسه إنما يصخر جهد شخص واحد، وأما من يعطي مالا قد يساهم في تجهيز أكثر من شخص. كذلك هناك آثار تتجاوز المنفعة الشخصية إلى المنفعة العامة لا تخطر على بال الكثيرين: تجميل المنزل والمركب والملبس ينتج عنه كذلك تجميل الطبيعة والعالم الخارجي، فتصبح بتحسينك عنصر بناء واستخلاف إيجابي على هذه الأرض، وما أسماها من غاية! بعض الناس يرفق ذلك بقولهم القناعة كنز لا يفنى، هذا كذلك فهم سلبي للمعنى الحقيقي، القناعة بالذي أعطاك الله إنما هي بعدما تتخذ كل أسباب التحسين التي أتيحت لك، أما إن كانت لك فرص عيش أفضل لك ولمن تعول ثم تقول أني ‘أقنع’ فما أنت في الحقيقة إلا ‘تمنع’ نفسك من فضل الله الذي يحب ويريد أن يراه فيك.

الذي حدث مكتوب وقضاء وقدر. متى نفهم أن كل شيء بدون استثناء قضاء وقدر؟ تماما لا يوجد شيء في هذا الوجود يخرج عن هذه القاعدة، فلا يصلح أن نستخدمها لتبرير نتيجة تقصيرنا أو إهمالنا. مثلا إن لم ينجح شخص في امتحان (امتحانات الحياة على إطلاقها، ليس فقط الدراسي منها) أو يربح في صفقة، فعوضا من أن يلوم نفسه على التقصير ويَعِد بالتحسين ومضاعفة الجهد في المرة القادمة، يلوذ بالفرار سريعا من الحقيقة بأن ذلك هو الذي كُتِبَ قبل خلق الأرض، فتمر التجربة بدون أخذ أي درس منها. الله كتب كل شيء في كتابه ‘بعلمه الغيب’ لا فرضا أن يجري على خلقه كمل كتب، بل ماعلمه وما يحدث إنما هو ما يقررونه ويحققونه هم بأنفسهم.

لن نأخذ من هذه الدنيا شيئا إلا الأعمال، والدنيا دار مرور وهي فانية وكلنا مغادروها والطمع في الآخرة الباقية. كم من الناس من يزهد في المساهمة في عمارة الأرض بشتى أنواع العلوم والفنون والعمران بحجة أن الدنيا هذه زائلة والأفضل الاستكثار من الاعمال الصالحة من صلاة وزكاة وطاعة الوالدين والاحسان للناس، هذه الأعمال لا شك أنها من أوثق عرى الاسلام ولابد من الاكثار منها لا رَيب، لكن عمارة الأرض كذلك هي من أسمى وأغلى غايات الاسلام. الكثير منا ليس لديه نظرة ما بعد الأنا، يغفل عن أن التأثير والبناء يبقى حتى بعد الممات، الاسلام يعلمنا أن تكون لنا نظرة ما بعد الأنا من خلال تلك المصادر الثلاث للأجر التي تعود لصاحبها حتى بعد مماته: الولد الصالح والعلم النافع والصدقة الجارية. سمعت عددا من الناجحين ممن لا يؤمنون بآخرة ولا حساب، يقول أنا لدي حياة واحدة فسأقدم لها أفضل ما أستطيع، فيحققون ذلك فعلا بإنجازات كبيرة، ونحن فينا مؤمنون تَنْتَابُهم السلبية أن هذه الدنيا فانية حقيرة والأفضل البناء للآخرة الباقية فيتركون عمارة الأرض، معتمدون على آيات كريمة  (آيات التذكير يوزن الدنيا ووزن الآخرة) وأحاديث شريفة (مثل الدنيا لا تساوي جناح بعوضة) وهي من ذلك الفهم الأعرج براء، ضاربين عرض الحائط آيات مثل: “هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا” وأحاديث مثل: “إن قامت الساعة وفى يد أحدكم فسيلة (نخلة صغيرة) فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها”.

Comments

comments

Leave a comment

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.