لطالما كنت أتساءل عن سبب وجود كلمات كثيرة جدا متشابهة بين الفرنسية والانجليزية. من يا ترى أثر على الآخر؟ خِلت أولا أن السبب هو “أصلي” أي لعلهما ينحدران من نفس اللغة الأم. بحثت في شجرة اللغات الهندو-أوروبية فلم يكن الأمر كذلك، بل لم تكونا تنتميات حتى لنفس العائلة (الأولى إلى اللغات الإيطاليقية والثانية إلى اللغات الجرمانية). اختصرت عليّ الطريق وبحث بعدها مباشرة عن سبب تعلق اللغتين فوجدت أن السبب “تاريخي” بحت.
تعود الحكاية لسنة 1066 ميلادية، حين غزى الحاكم النورماندي المشهور “ويليام الفاتح” إنجلترا (فكرة توليه الحكم تم استلهامُهَا في فيلم “جوني إنجليش”، التي بطلها روان أتكينسون المشهور بمستر بين =)، لمن يريد بعض الدعابة التاريخية). لا يهمنا هنا أصل نشأة وكينونة النورمانديين ولكن ما يهم هو أنهم كانوا ناطقين بالفرنسية. استمرت سيطرة النورمانديين على إنجلترا حوالي القرن أثرت فيها على كل المستويات. من أهم التأثيرات كان دخول كم هائل، قُدِّرَ بالآلاف، من كلمات اللغة الفرنسية (واللاتينية بشكل عام) على اللغة الإنجليزية، زادت في ثرائها أيما زيادة. هذا التأثير لم يتمثل في دخول كلمات جديدة فحسب، بل حتى في دخول قواعد غيرت كتابة ونطق اللغة الإنجليلزية. هذه الإضافة ساهمت في نشوء لغة جديدة سُمية بالإنجليزية الوسطى –بعدما كانت تسمى بالإنجليزية القديمة.
كلمات مثل: art, beauty, colour, image, design, figure, ornament كلها كلمات إنجليزية أصلها فرنسي.
عودة على حاضر، أين حدث العكس تماما. أصبحت الإنجليزية لغة العِلم والعالم ودخلت أعداد هائلة من الكلمات الإنجليزية على الفرنسية، مثلا مصطلحات الطب والتكنلوجيا والفلك وباقي العلوم على اختلافها.
عبرة جميلة… كانت الاحتلالات أو الفتوحات أولا هي السبيل لتغيير ثقافات ولغات الأمم الأخرى. مع الوقت ظهرت طرق جديدة مثل التجارة والهجرة المكثفتين، ثم أخيرا العلم والابتكار والانتاج الأدبي والفني. وهذا إن دل فإنما يدل على طريق صحيح، على العموم، تسلكه البشرية –وإن كانت مازالت هناك تخبطات من حين لحين تعيدها إلى عصورها المظلمة.
Leave a comment